الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010
عندما يتحول الدين إلى أداة سياسية...لبنان نموذجا
سوزان سرور هيكل من بيروت
لطالما كان الدين "رسالة" حرية لا عبودية, رسالة سلام لا حروب وكراهية. لهذا السبب تجسد المسيح على الأرض ليخلص البشرية من شر الكراهية, الجهل والعبودية, ولهذا السبب أيضا واجه النبي محمد (ص) أسياد قريش ليحرر قومه من براثن الكره والعبودية وهو القائل:" والله لن أنثني عن مواجهة الباطل والظلم حتى ولو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري."
إلا أن هذا الفهم للديانة والايمان تحول الى عقيدة, لا بل عقائد متشعبة وضيقة. وأصبحت الأديان تضيق بأصحابها أكثر فأكثر مما ادى الى تناحر الشعوب تحت راية هذه الأديان. ومن أهم القضايا التي نواجهها اليوم هي قضية تغليف حقيقة الديانة والايمان بغلاف من غبار وأوهام حيث أن بعض المجموعات الدينية المتطرفة يحكمون على الناس ممن هم من غير معتقدهم ويصنفونهم في دائرة الكفار وبالتالي يحللون سفك دمائهم وذلك طبعا بناءا على تصورات ونظريات مفبركة لتبرير مجازرهم بحق الانسانية.
نذكر آخر ما جاء في هذا الصدد من وحشية مفبركة تحت راية الدين الجريمة النكراء التي وقعت في الأول من تشرين الأول وقد استهدفت من خلالها كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك وسط بغداد وأسفر عنها مقتل ما لا يقل عن 52 من الرهائن ورجال الشرطة. وأتى من جماعة القاعدة كلاما يتبنى هذه الجريمة النكراء لأسباب أعلنوها حسب رأيهم شرعية وفيها جهاد في سبيل الحرية الدينية. وجماعة القاعدة هي ما يعرف اليوم بالجماعة المتشددة المنشقة ظاهريا عن الاسلام.
أما الديانة الاسلامية في الحقيقة فهي تدعو الى السلام والاعتدال، ومما جاء في القرآن الكريم ما ذكره الله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس " (البقرة). ويقول: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، (البقرة). فلماذا هذا التطرف لدى البعض والتزيف تحت قناع الايمان؟؟ وهل يظنون أن العالم أعمى عن حقيقة عبادتهم للشيطان والمادة والتخلف بدلا من عبادتهم لله؟؟ فالله لم يدعوهم للقتل والارهاب, كما أن دينهم لم يحثهم على هذه الأعمال الشنيعة.
أما هذا العنف "العبثي" كما أسماه بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر والذي وصفه بأنه أصبح "أكثر ضراوة" يجب أن يتوقف. فهو يصيب الأبرياء ويستهدف ليس فقط المسلمين عبر قتلهم وجعل ما تبقى منهم شبه منبوذين ومضطهدين في العالم انما أصبح يصيب المسيحيين أيضا اليوم وخاصة في الشرق الأوسط.
أما على الصعيد اللبناني فالمسيحية أصبحت تتمثل بشكل خاص بالأحزاب: حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية وحزب المردة والتيار العوني أيضا ولا ننسى السريان وغيرهم ولكن التوتر السياسي الاخير اعاد الامر الى ما كان عليه خلال الحرب الأهلية في لبنان بسبب الاختلاف في الكثير من المواقف السياسية مما أدى الى انقسام الشارع المسيحي عامة والماروني خاصة. فبدأ السياسيون بمسرحيات علنية تزكّي التوتر في النفوس كزيارة الجنرال ميشال عون الى سوريا في عيد مار مارون بدلا من "ترك ما لقيصر لقيصر" وآخرين اعتمدوا على شعاراتهم القديمة التي كانت سائدة خلال الحرب الأهلية مثل شعار القوات اللبنانية "الصليب المشطوب" وهو ما يصنف بالشعار الديني لحزب سياسي لبناني وله تأثيره الكبير أيضا على النفوس.
أما الاسلام في لبنان فهو قوى سياسية رئيسية في البلاد ويتمتع بحضور شعبي وجماهيري في معظم المناطق اللبنانية. فحزب الله مثلا وهو للمسلمين الشيعة كان قد استقطب عددا لا باس به من اللبنانيين السنّة والمسيحيين خلال مواجهاته مع الاسرائيليين ولكن دخول الحزب في المعارك السياسية الداخلية وتحوله الى حزب سياسي مسلّح يهدد الأمن الداخلي للبلاد ابعد عنه الكثير من المناصرين له من غير طوائف فأصبح يمثل الطائفة الشيعية بامتياز غير حركة أمل الشيعية التابعة للرئيس نبيه بري.
اما الطائفة السنية فهي من الطوائف التي لم تستطع حتى الان ايجاد تيار سياسي مسلح يمثلها بسبب الاختلافات الاجتماعية بين سنيي بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع مما جعلهم منقسمين فيما بينهم. وقد حاول تيار المستقبل الذي يتزعمه حاليا رئيس الوزراء سعد الحريري أن يلم شمل الشارع السني المنقسم بين موال له ومعارض لسياسته ولكن توغل بعض التيارات الأصولية المدسوسة في بعض العائلات السنية زادت في الشرخ الحاصل بين أهل السنة وخاصة في مناطق البقاع والشمال وأهم مثال على ذلك ما جرى في ال20 من أيار سنة 2007 عندما اندلعت احداث مخيم نهر البارد في شمال لبنان وكاد أن يتحول فيه صراع الجيش الشرعي للبلاد ومجموعة متطرفة من المسلمين المعروفين "بفتح الاسلام" الى استفحال صراع لبناني – فلسطيني يتطلع الى استهداف الحكومة اللبنانية بشكل خاص واسقاطها.
ولكن الوعي اللبناني ـ الفلسطيني المشترك حال دون الانزلاق إلى هذا الصراع العبثي الذي ساقته المنظمة الإرهابية وبعض القوى التي تبرعت لرسم «الخطوط الحمر» لا سيما تلك المتصلة بالترويج لانتماء هذه المجموعة إلى تنظيم القاعدة مع ما سيتبع ذلك من صراع يدور على أرض لبنان.
أما الدروز فقد كانوا وما زالوا منذ عشرات السنين واضحي الموقف خلف احزابهم السياسية فهي عقائدية طائفية خصوصا رديف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يضم من جميع الطوائف وهو جيش التحرير الشعبي الذي يعتبر حامي الطائفة الدرزية. الا أن مواقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المتقلبة حسب الرياح السياسية جعلت من مواليه يتنقلون من تيار الى تيار اخر، فتارة يوالون لسوريا وتارة ضدها مما جعل الفجوة السياسية بين أبناء الطائفة الواحدة أكثر عمقا.
وبالتالي لا يمكننا نكران أنه رغم المنعطفات الكثيرة التي واجهها لبنان على صعيد السلم الأهلي وخاصة المتعلق منها بالطوائف والمذاهب والأديان الا انه تخطى هذه الصعاب المفتعلة والتي تهدف الى تقسيم البلاد الى دويلات طائفية في دولة واحدة.
17-11-2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق