الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

بالصور: جبيل الفنيقية لا تزال تنزف تاريخها.

سوزان سرور هيكل من بيروت


يبدو إن مدينة جبيل الساحلية اللبنانية تأبى إلا أن تكون في الواجهة دائما، وترفض أن تغيب عن الأعين والإعلام، فكل فترة تنفض من باطنها أثارا تؤكد تاريخها العريق، وكانت آخر إطلالة لها حين كانت أعمال بناء تحضَر على العقار 2676 في احد أحيائها "حي الحارة" قرب مدرسة راهبات العائلة المقدسة حيث لاحظ العمال وجود ما يشبه المدافن في الصخر وعلى الأثر جاءت بعثة من قبل المديرية العامة للآثار مؤلفة من الأثريين زياد العريضي وميشيل الخوري والخبيرة الأثرية تانيا زافين بغية معاينة الموقع مما أوقف أعمال البناء التي كان قد أتى على أثرها تهديم سطح مدفنية تضم فيها 15 مدفنا محفورا في الصخر. وبعد البحث الدقيق تبين أن هذه المنطقة تحتوي أيضا على مدافن أخرى, بحجم أكبر حيث تبلغ مساحتها 75 مترا مربعا بارتفاع نحو ثلاثة أمتار, وتتألف من غرفتين.





وفي حديث لها أوضحت زافين "أن الغرفة الأولى تسمى غرفة المأدبة الجنائزية وهي عبارة عن باحة مستطيلة الشكل بطول نحو 10 أمتار وعرض 5 أمتار محفورة في الصخر الطبيعي، تتوسطها في الجهة الشمالية قاعدة طاولة جنائزية مربعة طول كل ضلع فيها 1,45 متر، مليّسة بمونة بيضاء اللون من كل الجهات، وتقام فيها المآدب المدفنية، ومن الجهة الجنوبية للباحة مدخل يقود إلى الغرفة المدفنية التي يتم الوصول إليها بواسطة سلم يتألف من أربع درجات محفور في الصخر الطبيعي أيضا يقود إلى أرضية مبلطة ببلاط صخري متقن الصنع ولا يزال محفوظا بطريقة جيد."





وأضافت انه "عثر أيضا في الزاوية الشمالية الشرقية من الغرفة على مذبحين من الحجر مزخرفين من الأعلى على شكل تاجين. ولفتت زافين إلى إن المداخل وجدت مكسورة ومقلوبة، ولم يتم العثور على أي من المحتويات الأثرية كاملة داخل هذه الغرف إنما بعض كسر الفخار والزجاج الذي يعود إلى الفترتين الرومانية والبيزنطية، ما يدل على أن الموقع تعرض للتخريب والنهب في الفترات التاريخية اللاحقة."





جبيل في التاريخ

مدينة جبيل اللبنانية الساحلية أو ما كانت تعرف قديما ببيبلوس حسب الاسم اليوناني تقع على بعد 37 كيلومترا شمالي العاصمة بيروت. هي قالب بلدة حديثة, تحتوي قلب بلدة نابض بعراقة التاريخ الضارب في القدم, فتمتزج الأبنية الزجاجية الفارعة بالأبنية ذات الحجر القديم التي خلَفها أجدادنا من القرون الماضية.





وأكثر ما تشتهر به مدينة بيبلوس هي تلك المدافن التي تعود الى العصور الكالكوليتية والبرونزية والفينيقية الممتدة بين الاعوام (4000 ق. م – 1000 ق. م.) واشهرها ناووس احيرام الذي يحمل الأبجدية الأقدم في العالم ويعود الى عام 1000 ق. م. ولكن اليوم سلسلة جديدة من المدافن الأثرية تضاف اليها وهي تعود الى الحقبتين الرومانية والبيزنطية والتي قد نجد مثلها في جنوب لبنان كصيدا وصور. وبالتالي فان هذا الاكتشاف يجعل من الخريطة الأثرية لهذه المدينة أكبر لتشمل حقبات اخرى ومتعددة.





وفي السياق السياحي يزور منطقة جبيل كل سنة أكثر من 400 ألف سائح فهي قد ازدهرت بتجارتها المتعددة الأوجه التي تضم جميع المتطلبات اللازمة لجعل السائح يعود مرة أخرى وأخرى. وبحديث خصَه أحد المرشدين السياحيين في جبيل لصحيفة شريط قال :" ان من يسير في أزقة جبيل القديمة يشعر ضمنيا بأصوات أجدادنا الفنيقيين والتي ما تزال الأحجار القديمة تردد صداها. أما من يصعد الى قمة قلعة جبيل فسيرى بأم عينيه مدى عظمة ما خلفته تلك القرون الماضية النابضة بالبطولات الملحمية والتاريخية."





ومن يزور جبيل يجد فيها أيضا المعابد القديمة كمعبد الالهة بعلة جيل ربة بيبلوس والحمامات والمسرح الروماني بالاضافة الى المدافن الملكية ومتحفا للشمع يضجّ بمشاهد من الحياة اللبنانية الريفية والتماثيل لبعض من أهم المشاهير اللبنانيين. ومن لم يمتّع نفسه برحلة بحرية من على مرفأ بيبلوس الأثري فكأنه عايش الماضي بنصفه ولم يعرف مغامراته, فلطالما عرفت هذه المنطقة خلال العصر البرونزي باحتضانها لأهم ميناء للتبادل التجاري في البحر المتوسط وهناك كانت تصنع السفن الفنيقية من خشب الأرز.





واليوم تضيف جبيل الى لائحتها اكتشاف علمي واثري جديد ذو أهمية أثرية تاريخية بالغة فتزدان معالم بيبلوس به وتتفرد أكثر من خلاله عن المناطق الأثرية الأخرى مما يلقي مسؤولية أكبر على عاتق وزارة الثقافة ومديرية الاثار وبلدية جبيل طبعا بغية الحفاظ على هذه الاكتشافات وديمومتها بظل الغزو العمراني الهائل.






03-12-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق